دائمًا ما يكون الانفصال عن الشريك صعبًا، خاصًة إذا كان هناك أطفال عالقين في المنتصف، فحتى لو
كان قرار الانفصال هو الخيار الأفضل للطرفين فإن الأطفال يتألمون، ومؤخرًا اهتمت الكثير من الأبحاث الدولية بمحاولة تسهيل تأقلم الأطفال على الانفصال وتوصلت تلك الأبحاث إلى حل مبتكر وهو ما أضحى يُطلق عليه “التعشيش” أو مشاركة المطلقين لمنزل عائلي واحد، فماذا نعرف حتى الآن عن تلك المشاركة، هذا ما سأخبركم به في هذا المقال:
ماذا يحدث بعد الانفصال
بعد أن يتخذ الزوجان قرار الانفصال تكون أمام تلك العائلة التي تفككت للتو خيارات قليلة؛ إما أن تبقى الأم في منزل العائلة ويذهب الأب إلى مكان آخر، أو يبقى الأب وتذهب الأم إلى بيت آخر وفي الكثير من الأحيان يقرر الزوجان أن يبيعا بيت الزوجية ويذهب كل منهما إلى حال سبيله، وبالنسبة للأطفال فإنهم يترددون بين منزل الأم ومنزل الأب وقد يسكنون مع أحد أقارب والديهم مثل الجدة.
التعشيش: أن يبقى الأطفال في بيوتهم مثل الطيور
ترتكز فكرة التعشيش على نسف التفكير التقليدي السابق؛ فعلى غرار الطيور يرى علماء النفس أن الأطفال يجب أن يظلوا في بيت العائلة الدافئ ويتناوب عليهم الآباء وليس العكس، وذلك لأن التنقل ذهابًا وإيابًا بين منزلين لا يمثل تحديًا عمليًا فحسب، بل يمثل تحديًا عاطفيًا أيضًا؛ قد ينسى أحد الأطفال لعبته المفضلة أو واجبه المنزلي أو قد يبدل حذائه الرياضي مع أخوه، هذا بجانب تحدي اختلافات مساحات المنزل وقواعد البيت، ولكن في حالة التعشيش تقل التعقيدات كثيرًا لأن كل ألعاب الأطفال وحاجاتهم تكون في أماكنها المعتادة.
هناك بعض الدول الغربية التي بدأت تنفيذ الفكرة بالفعل
على الرغم من أن مفهوم التعشيش لا يزال غير معروف نسبيًا على مستوى العالم، إلا أنه ينتشر في بعض الدول الغربية خاصة بين عائلات الطبقة المتوسطة؛ حيث أبلغ بعض محامين الطلاق عن زيادة في مشاركة المطلقين لمنزل عائلي واحدة خاصًة في الولايات المتحدة وأستراليا وهولندا، وأشارت دراسة حديثة في المملكة المتحدة أجرتها شركة Coop Legal Services إلى أن 11٪ من الآباء المطلقين أو المنفصلين عن ذويهم قد جربوها.
إيجابيات وسلبيات فكرة التعشيش
تقول طبيبة الصحة العقلية والنفسية سيليست فيسيير، أن التعشيش يمكن أن يفيد الأطفال على الصعيدين النفسي والاجتماعي خاصًة عندما يتعلق الأمر بالأشياء اليومية العملية؛ فوجود الأطفال في نفس المنزل المألوف لهم أمرًا مفيدًا لأنه من الأسهل البقاء في نفس المدرسة والاحتفاظ بمجموعة الأصدقاء نفسها، بدلًا من التنقل بين بيوت مختلفة مما قد يؤثر على حياة الأطفال الاجتماعية.
ولكن تحذر فيسيير من وجود بعض السلبيات منها أن بيئة التعشيش سوف تعطي الأطفال إحساسًا زائفًا بالواقع كما قد تعطيهم أمل كاذب في أن أبويهم قد يعودوا إلى بعضهما مرة أخرى، ومن جانب آخر يحمل بيت العائلة الكثير من الذكريات المشتركة لأفراد العائلة وهو الأمر الذي قد يجرح مشاعر الأطفال الصغار ويسبب لهم الكوابيس الليلية.
سواء اخترت التعشيش أولايجبأنتضعأطفالكفي الأولوية
كما تضيف الطبيبة فيسيير: “بغض النظر عن الطريقة التي تختارها بعد الطلاق، فإن الانتباه للآثار المحتملة على أطفالك أمر بالغ الأهمية”، قد يكافح بعض الآباء من أجل إجراء محادثات صعبة ولكن واقعية مع أطفالهم في محاولة لحمايتهم؛ فعلى عكس الاعتقاد الشائع أنت لا تحمي أطفالك أبدًا من خلال تجنب إجراء هذه المحادثات بل إنك تؤلمهم حين لا تكون صادقًا بشأن ما يحدث؛ لأن الأطفال وقتها يميلون إلى تكوين فكرتهم الخاصة حول ما حدث بالفعل، ولذلك قد يواجهوا أوقاتًا عصيبة ومخيفة ولكن إذا أمكنك أن تكون صريحًا معهم بشأن ما يحدث وتسمح لهم بطرح الأسئلة وإجراء محادثات حول شعورهم حيال ما يحدث، فسيساعد ذلك في التخفيف من حدة شعورهم بالألم.